خطبة بعنوان: “العشر الأواخر من رمضان، وأثر الإيمان ” لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح بتاريخ 19 من رمضان 24 يونيو 2016هـ
خطبة بعنوان: “العشر الأواخر من رمضان, وأثر الإيمان ” لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح بتاريخ 19 من رمضان 24 يونيو 2016هـ.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين .. إنَّ الحمد لله، نَحمده ونستعينُه ونستغفِرُه، ونتوبُ إليْه، ونعوذُ به من شُرور أنفُسِنا ومن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له..وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له في سلطانه ..ولي الصالحين .وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوْم الدِّين. أما بعد فيا جماعة الإسلام .
قال تعالي:”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”(الأنفال/2-4).
أخوة الإيمان والإسلام :
ونحن علي مشارف العشر الأواخر من رمضان وها هو رمضان قد أقبل علي الرحيل ولم يتبق منه إلا القليل وهكذا شأن الأيام الفاضلة تمر سريعاً فبالأمس كنا نستقبل رمضان وها نحن اليوم نستعد لوداع رمضان ..
ف هذه الأيامُ الأخيرةُ من شهر رمضان المبارك، شهرِ الخير والعطاء والفضلِ والبركة والجودِ والإحسان.. إننا نعيش هذه الأيامَ ونحن نعلم جميعًا أن هذاَ الشهرَ فرصةٌ لا تُعوَّضُ، وقد لا تتكرَّرُ لكثيرٍ من الناس، فرصَةٌ لا تعوَّضُ للتوبة إلى الله – جلّ وعلا والإقبالِ إلى طاعته، والنَّدَمِ على التفريطِ في جَنبِ الله – تبارك وتعالى – فرصَةٌ لا تُعوَّضُ للإنابة إلى الله – جلّ وعلا – والتوبةِ إليه من كل ذنبٍ وخطيئة.
وإذا لم يندم الناس، ولم يتوبوا إلى الله – جلّ وعلا – في هذا الموسمِ الكريم والشهرِ الفضيل، الشهر الذي تُعتَقُ فيه الرقابُ من النار، ويتوب الله – تبارك وتعالى – فيه على من يتوبُ من عباده، في هذا الشهرِ العظيم إذا لم يَتُب العبدُ إلى الله – جلّ وعلا – فمتىَ يتوب؟؟
ثبت في سنن النسائي ومستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “رغمَ أنفُ امرئ ذُكِرتُ عنده، فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنفُ امرئٍ دخلَ عليه رمضانُ ثم انسلخَ، فلم يُغفر له، ورغم أنف امرئٍ أدرَكَ عندَه أبواه الكبرَ، فلم يُدخِلاه الجنَة”؛ وروى ابن حِبَّان في صحيحه من حديث مالكِ بن الحويرث – رضي الله – عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صَعِد المنبر فقال: “آمين”, فلمَّا رقى عَتَبَةُ منه، قال: “آمين”, فلمَّا رقى العتبة الثانية، قال: “آمين”, فلمَّا رقى العتبة الثالثة قال: “آمين”, ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: “أتاني جبريلُ، فقال: يا محمدُ، من أدرك رمضان، فلم يُغفَرْ له فأبعده الله، فقل آمين، قلتُ آمين، ثم قال: يا محمد، من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يُدخِلاه الجنة، فأبعدَهُ الله، فقل آمين، فقلت: آمين، ثم قال: يا محمدُ، من ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعدَهُ الله، قُل: آمين، فقلت: “آمين“.
إننا أدركنا هذاَ الشهرَ الكريم، وها نحن نعيش أيامَهُ الأخيرةَ، وربما بعضنا لا يدركُ رمضانَ الآخَر؛ فلننتهِزْ ما بقي من أيامِ هذا الشهرِ الكريم في التوبةِ إلى الله،والإنابةِ إليه – جلّ وعلا – والرجوعِ إليه، وإذا كنَّا فرطنَا أو قصَّرنا فيما مضى من أيامِ هذا الشهر، فلنغتنِم ما بقي منه،
وفي حقيقة الأمر إننا لو أردنا أن نتحدث عن فضل العشر الأواخر وارتباطها بأثر الإيمان ما كفانا وقت ولكننا نريد أن نعرج سريعاً علي فضائل تلك العشر وخصائصها ومدي تأثيرها في زيادة الإيمان وارتفاع درجته ..ومنها :”
** أن الله تعالى أقسم بها في قوله تعالى سبحانه: “وَلَيَالٍ عَشْرٍ” والله تعالى لا يقسم إلا بعظيم ذي شأن فإن في الأقسام بالشيء من المخلوقات دلالةً على فضله وشرفه، وتذكيراً للعباد بعظم النعمة بإيجاده ، وتنبيهاً لهم على أن ذلك الشيء من آيات التوحيد ودلائل القدرة ، وأن على العباد أن يغتنموا ما يمكن اغتنامه منه في مرضاة الله تعالى ويشكروه على الإنعام به. وهكذا فإن الإقسام بليالي العشر من رمضان تنبيهاً على فضلها وشرفها وعظيم النعمة بها وتذكيراً للمخاطبين على كثرة بركتها وخيرها وحثاً لهم على اغتنام لياليها بالتقرب إلى الله تعالى بما شرع فيها من الطاعات وجليل القربات فإنها أفضل ليالي السنة على الإطلاق – كما أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل أيام السنة على الإطلاق كما هو مذهب جمع من محققي أهل العلم.
** أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخص تلك الليالي بمزيد من الاجتهاد ويوليها ما تستحق من العناية إشهاراً لفضلها وحثاً للأمة على طلب فضائلها وبركاتها ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر شد مؤزره وأحيا ليله وأيقظ أهله “، وروي مسلم عن عائشـــة رضي الله عنها قالت: “كان – تعني النبي – صلى الله عليه وسلم – يجتهد في العشر مالا يجتهد في غيرها”وتواتر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعتكف تلك الليالي فيلازم المسجد فلا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان فكان النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا العشر يقطع الأشغال ويفرغ البال ويشتغل بصالح الأعمال من صلاة وصدقة وتلاوة للقرآن وجود بأنواع الإحسان والذكر والدعاء استزادة من الخير والهدى. فتفرغ النبي – صلى الله عليه وسلم – لها واعتكافه فيها من أكبر الأدلة على فضلها وشرفها.
أيها الأخوة الصائمون :”
وهذا دليل علي أنه ينبغي علي المسلم الصائم أن يتقن عمله لأن إتقان العمل من الإيمان وله تأثير عظيم علي زيادة الإيمان ..
وإن من إتقان العمل أن يكون المؤمن فيه بين خوف ورجاء، خوف ألا يقبل منه عمله، ورجاء لرحمة الله وطمعًا في واسع فضله، وهو لهذا السبب يحذر أشد الحذر منَ المنِّ على الله بعمله، فقد وصف الله المتقين بأنهم “كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”(الذاريات/17، 18). وقال تعالى: ” وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ” (المؤمنون/ 60).
وإن ثمة أقوامًا إذا جلسوا في مجالسهم بعد أداء التراويح مثلاً، جعلوا يشكون من طول القيام وإطالة الإمام، وآخرون يَتَبَجَّحون بأنهم خرجوا قبل أولئك بخمس دقائق، أو عشر، أو أقل، أو أكثر، وفي هذا ما فيه منَ المَنِّ على الله، وإظهار الملل من عبادته، والتَّبَرُّم من طاعته، والله جل وعلا يقول:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ” (فاطر/ 15، 16). ، ويقول سبحانه:” يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ “(الحجرات: 17).، وقال سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ” (البقرة/ 264).
أخوة الإيمان والإسلام :
وهذه العشر الأواخر من رمضان فرصة للعبادة والطاعة وقبول الدعاء من الله عز وجل .. حيث تتخلل آيات الصيام آية الدعاء :”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”( البقرة/186).
فمن لم يتدارك الدعاء منذ أول الشهر فليسارع وليبادر بالدعاء حيث أن المولي عز وجل عندما وضح أنه يستجيب للداعي حال وفور دعائه .. إذا وفق الدعاء وألهم الدعاء ف:” الدعاء مخ العبادة” (أحمد والترمذي). و:”الدعاء هو العبادة” وكان عمر بن الخطاب يقول :” إذا ألهمت الدعاء أيقنت الإجابة “.طالما أنه يأكل حلالاً ..
إن ثمة أمرينِ خطيرين، يحولان دون قبول الأعمال ورفع الدعاء إلى السماء، ومع هذا فالمُصِرُّون عليهما كثير، والتائبون منهما – مع كثرة التذكير بخطرهما والوعظ عن الوقوع فيهما – قليل، أولهما: أكل الحرام والتهاون بالمشتبهات، وهو مما كثر في هذا الزمان، وعم البلاء به في المُعَامَلات المصرفيَّة الربويَّة، وفي المساهمات والمرابحات؛ قال صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس؛ إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:” يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ “(المؤمنون/51).، وقال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ” (البقرة/172).، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟!
وأما الأمر الخطير الآخر، الذي اسْتَحْكَم في قلوبٍ قَسَتْ وغلظ عن الله حجابها، وأخذت العزة بالإثم أصحابها – فهو قطيعة الأرحام، وانتشار البغضاء والشحناء، وتبادل التَّدابُر والتقاطع؛ قال صلى الله عليه وسلم: “تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكلِّ عبد لا يشرك بالله شيئًا؛ إلاَّ رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا”، وقال – عليه الصلاة والسلام -: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوق ثلاث”، وقال: “لا يحل لرجلٍ أن يهجرَ أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “.
أيها المتقاطعون :
إنَّ فساد ذات بينكم حالقة لدينكم، محبطة لأعمالكم، حائلة بينكم وبين ربكم، فما قيمة حياتكم وما طعم عيشكم؟ وما فائدة أعمال لا ترفع وحسنات لا تقبل؟ أأنتم بقول رسولكم تكذبون؟ أم أنكم عن رحمة ربكم راغبون؟
ألا فاتقوا ربكم وعودوا إلى رشدكم، لقد جاءتكم أيام العشر المباركة التي كان نبيكم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، أمامكم ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فيا خسارة مَن أَصَرَّ على ذنبه وطرد، ويا غبن من أعرض عن ربه فحُرم، اتقوا الله ربكم، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم: ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ” (البقرة/ 204 – 206).، فلا تأخذنَّكم العِزَّة بالإثم، فوالله لا طاقة لكم بعذاب الله، ولا غنى لكم عن رحمته طرفة عين، ألا فكونوا من المتقين، ” إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ” (الأعراف/ 201). ، تَذَكَّروا ثواب الله وعقابه، وأبصروا الحق وارجعوا إليه، فإن المؤمن إذا ذُكِّر تَذَكَّر، وإذا بصر تَبَصَّر، والله تعالى يقول: ” وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ “(الذاريات/ 55) .
أخوة الإيمان والإسلام :
ومن خصائص العشر التي تمس شغاف القلوب والإيمان الاعتكاف فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: “وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ “(البقرة /187). وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده”( البخاري ومسلم ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً”(البخاري ). وفي لفظ: “كان يعرضُ على النبي – صلى الله عليه وسلم – القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قُبض فيه”(البخاري ). وذكر ابن حجر رحمه الله أن المراد بالعشرين: العشر الأوسط والعشر الأخير( فتح الباري )، ويدل على معناه حديث أبي سعيد رضي الله عنه في صحيح مسلم.
أخوة الإيمان والإسلام : اجتهدوا في طاعة الله تعالى وخصُّوا هذه العشر المباركة بمزيد من الاجتهاد طلباً للثواب ومضاعفة الأجر في هذه الليالي وزيادة للإيمان ، وطلباً لهذه الليلة ليلة القدر التي اختصت بها العشر الأواخر من رمضان كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إني أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها – أو نُسِّيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر”(البخاري ). وفي حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”(البخاري ). فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان يقيناً لا شك فيه،وهي في الأوتار أقرب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر: في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى”، وفي لفظ: “هي في العشر الأواخر في تسع يمضين أو في سبع يبقين”[البخاري ]. وقد تكون في الأشفاع؛ فإنه جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: “التمسوها في أربع وعشرين”(البخاري). وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيره، وكان الصحابة رضي الله عنهم يجتهدون اجتهاداً عظيماً، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: “قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني”(الترمذي ). فعلى العبد الصادق أن يجتهد في جميع ليالي العشر ويحصل عليها يقيناً لا شك فيه، وقد أخفى الله ليلة القدر رحمة بعباده؛ لأمور منها: زيادة حسناتهم إذا اجتهدوا في العبادة بأنواعها في هذه الليالي، واختباراً لعباده؛ ليتبين الصادق في طلبها من غيره؛ فإن من حرص على شيء جد في طلبه.
أخوة الإيمان والإسلام :
إن فيها ليلة القدر قطعاً ، لقوله – صلى الله عليه وسلم – “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان “وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “التمسوها في الوتر من العشر”وهذه الليلة ليلة شريفة عظيمة البركة ادخر الله فيها لهذه الأمة خيراً كثيراً. ويكفي نص الله عز وجل على أنها الليلة المباركة كما قال سبحانه في تنزيل القرآن الذي هو أعظم كتب الله تعالى شأناً وبركة”إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ” وقال سبحانه وتعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ”ومن أدلة فضلها وشرفها قوله تعالى: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” وألف شهر تزيد على ثمانين سنة فهي ليلة واحدة ولكن خير من ثمانين سنة خالية منها وهذا يدل على فضل العمل فيها وكثرة ما يعطي الله تعالى من يقومها من الأجر العظيم والثواب الكريم ، ومما يدل على فضلها ما ثبت في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” ولأن يبذل المرء الدنيا كلها – لو ملكها – من أجل أن يتخلص من خطيئة واحدة من خطاياه لم يكن ذلك كثيراً فكيف وقائم تلك الليلة يغفر له ما تقدم من ذنبه وهي إحدى ليالي هذه العشر فبقيامها يغفر ذنبه دون أن يخسر شيئاً من ماله مع ما يحصل له من الخير الكثير والأجر الكبير والعتق من النار.
وقد أخفى الله تعالى هذه الليلة في العشر الأواخر – لما له سبحانه من الحكم – ليعظم الاجتهاد في تحريها ويكثر العمل ويضاعف الثواب فإن العباد إذا قاموا كل ليلة من تلك الليالي راجين أن تكون ليلة القدر كان لهم عند الله تعالى ما احتسبوا فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فيكون لهم ثواب عشر ليال على أن كل واحدة منها ليلة القدر.
ومن هنا فإنه يحسن بالمسلم – وقد أقبلت ليالي العشر التي فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر – أن يجتهد في إصلاح عمله وإتقانه، وأن يحذر مما يمنع قبوله أو يحبطه، فلعله يرفع فينال رحمة الله في شهر الرحمة..
هذا وليكثر من الصلاة على خير خلق الله نبينا محمد بن عبدا لله – صلى الله عليه وسلم -، ورضي عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحابه أجمعين،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ياذا الجلال والإكرام، اللهم إنك عفو تحب الحب فاعفو عنا.
عباد الله:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ “(النحل /90).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ..والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين ..
أما بعد فيا جماعة الإسلام .
كفي أن هذه الأيام العشر هي إحياء لضمائر الناس ولمس عناصر الخير فيهم وهذا الإحياء شامل لجميع أنواع العبادات: من صلاة، وقرآنٍ، وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها،وهذه الأعمال التي تزيد من الإيمان :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”(الأنفال/2-4). ومما يدل على فضل العشر: إيقاظ الأهل للصلاة والذكر، ومن الحرمان العظيم أن ترى كثيراً من الناس يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، وغيرها، ويسهرون فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة، فلعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هاذم اللذات، ولعله يجتهد فتصيبه نفحة من نفحات الله تعالى فيكون سعيداً في الدنيا والآخرة.
أخوة الإيمان والإسلام :
وإن مسك ختام لهذه الأيام هو يوم الجائزة يوم عيد الفطر ومن أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب ومن الأعمال التي تزيد من إيمان العبد التي يجبُ أن نتذَكَّرَها السّنةُ العظيمةُ التي دل عليها قوله – تبارك وتعالى -: ” وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ” [البقرة: 185]؛ أي: عدة أيام الصيام: “وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” [البقرة : 185], وهذا فيه إشارةٌ أنَّ من وفقه الله – تبارك وتعالى – وأعانَه على إدراكِ شهر الصيام إلى تمامِه، أن يشكُر الله – جلّ وعلا – على هذه النعمة العظيمة والمِنَّةِ الجسيمة، ويُكبِّرَ الله – جلّ وعلا – ويعظِّمَهُ:” وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” [البقرة: 185 ).
ومما يؤثر في إيمان العبد هو الشكر وهي الثمرة المرجوة من الصيام أي أنه في العشر الأواخر من رمضان يكون قد تكون لديه نعمة الشكر هذه النعمة العظيمة علي بني البشر ..قال صلي الله عليه وسلم :” الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر”(الترمذي).
** عبادَ الله – فإن السّنة إذا خرجَ الإنسان من بيته إلى مُصلَّى العيد أن يرفعَ صوتَهُ بالتكبير، والسنةُ أن يقول: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد”, والسنة – عباد الله – أن يكبِّر كلُّ مسلم بمفرده، وأما التكبير الجماعيُّ فليسَ بسنةٍ وليس بمشروعٍ؛ لأنه مضى عمل السلفِ على خلافِ ذلك، ولأن ذلك لم يُؤثَرْ عن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم –
عبادَ الله ويُسَنُّ لمن خرج إلى صلاة العيد أن يغتسل ويتطيَّبَ، ويلبس أجملَ ثيابِه دون سرفٍ أو مَخْيَلَةٍ، يخرُجُ متواضِعًا متمسكنًا مُقبِلاً على الله – جلّ وعلا – مُكبِّرًا له معظِّمًا له – سبحانه – شاكرًا له على نعمائه وفضله وجوده وعطائه، عبادَ الله تقبَّلَ الله منكُمُ الصيام والقيامَ، وأعانَكُم على طاعته ووفقكم لكل خير، وهدانا وإياكم إلى سواء السبيل، وصلُّوا وسلِّمُوا – رحمكم الله – على محمد بن عبدالله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال:” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا “(الأحزاب/ 56).، وقال – صلى الله عليه وسلم -:”مَن صلى عليَّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا”, اللهم صلِّ علىَّ محمد وعلى آل محمّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنّك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ؛ إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الرّاشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديقِ، وعمرَ الفاروق، وعثمانَ ذي النورين، وأبي السبطين علي.وسلم تسليماً كثيراً .